فصل: تفسير الآيات (68- 69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (67):

{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}
{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ} يعني: ولكم أيضا عبرة فيما نسقيكم ونرزقكم من ثمرات النخيل والأعناب، {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ} والكناية في {مِنْهُ} عائدة إلى {ما} محذوفة أي: ما تتخذون منه، {سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}.
قال قوم: السكر: الخمر، والرزق الحسن: الخل، والزبيب، والتمر والرُّبُ، قالوا: وهذا قبل تحريم الخمر. وإلى هذا ذهب ابن مسعود، وابن عمر، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد.
وقال الشعبي: السكر: ما شربت والرزق الحسن: ما أكلت.
وروى العوفي عن ابن عباس: أن السكر هو الخل، بلغة الحبشة.
وقال بعضهم: السكر النبيذ المسكر، وهو نقيع التمر والزبيب إذا اشتد، والمطبوخ من العصير، وهو قول الضحاك والنخعي.
ومن يبيح شرب النبيذ ومن حرمه يقول: المراد من الآية: الإخبار لا الإحلال.
وأولى الأقاويل أن قوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} منسوخ، روى عن ابن عباس قال: السكر ما حرم من ثمرها، والرزق الحسن: ما أحل.
وقال أبو عبيدة: السكر: الطُّعم، يقال هذا سكر لك أي: طُعم.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

.تفسير الآيات (68- 69):

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي: ألهمها وقذف في أنفسها، ففهمته، والنحل: زنابير العسل، واحدتها نحلة.
{أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} يبنون، وقد جرت العادة أن أهلها يبنون لها الأماكن، فهي تأوي إليها، قال ابن زيد: هي الكروم. {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} ليس معنى الكل العموم، وهو كقوله تعالى: {وأوتيت من كل شيء} [النمل- 23].
{فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا} قيل: هي نعت الطرق، يقول: هي مذللة للنحل سهلة المسالك.
قال مجاهد: لا يتوعر عليها مكان سلكته.
وقال آخرون: الذلل نعت النحل، أي: مطيعة منقادة بالتسخير. يقال: إن أربابها ينقلونها من مكان إلى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت.
{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ} يعني: العسل {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أبيض وأحمر وأصفر. {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} أي: في العسل. وقال مجاهد: أي في القرآن، والأول أولى.
أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر، حدثنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن المثنى، أخبرنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلا قال: قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق الله وكذب بطن أخيك»، فسقاه فبرأ.
قال عبد الله بن مسعود: العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور.
وروي عنه أنه قال عليكم بالشفاءين القرآن والعسل.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيعتبرون.

.تفسير الآية رقم (70):

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} صبيانا أو شبانا أو كهولا {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أردئه، قال مقاتل: يعني الهرم.
قال قتادة: أرذل العمر تسعون سنة.
روي عن علي قال: أرذل العمر خمس وسبعون سنة. وقيل: ثمانون سنة.
{لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} لكيلا يعقل بعد عقله الأول شيئا، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
أنبأنا عبد الواحد المليحي، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا هارون بن موسى، حدثنا أبو عبد الله الأعور، عن شعيب، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «أعوذ بك من البخل، والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات».

.تفسير الآيات (71- 72):

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} بسط عن واحد، وضيق على الآخر، وقلل وكثر.
{فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من العبيد، {فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} أي: حتى يستووا هم وعبيدهم في ذلك. يقول الله تعالى: لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقهم الله سواء، وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني. يلزم به الحجة على المشركين.
قال قتادة: هذا مثل ضربه الله عز وجل، فهل منكم أحد يشركه مملوكه في زوجته وفراشه وماله؟ أفتعدلون بالله خلقه وعباده؟؟
{أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} بالإشراك به، وقرأ أبو بكر بالتاء لقوله: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق}، والآخرون بالياء لقوله: {فهم فيه سواء}. قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يعني: النساء، خلق من آدم زوجته حواء. وقيل: {من أنفسكم} أي: من جنسكم أزواجا.
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} قال ابن مسعود، والنخعي: الحفدة أختان الرجل على بناته.
وعن ابن مسعود أيضا: أنهم الأصهار، فيكون معنى الآية على هذا القول: وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات، تزوجونهم فيحصل بسببهم الأختان والأصهار.
وقال عكرمة، والحسن، والضحاك: هم الخدم.
قال مجاهد: هم الأعوان، من أعانك فقد حفدك.
وقال عطاء: هم ولد ولد الرجل، الذين يعينونه ويخدمونه.
وقال قتادة: مهنة يمتهنونكم ويخدمونكم من أولادكم.
قال الكلبي ومقاتل: البنين: الصغار، والحفدة: كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله.
وروى مجاهد، وسعيد بن جبير عن ابن عباس: أنهم ولد الولد.
وروى العوفي عنه: أنهم بنو امرأة الرجل ليسوا منه.
{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} من النعم والحلال، {أَفَبِالْبَاطِلِ} يعني الأصنام، {يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}؟ يعني التوحيد والإسلام.
وقيل: الباطل: الشيطان، أمرهم بتحريم البحيرة، والسائبة، {وبنعمة الله} أي: بما أحل الله لهم {يكفرون}: يجحدون تحليله.

.تفسير الآيات (73- 74):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)}
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ} يعني المطر، {وَالأرْضِ} يعني النبات، {شَيْئًا} قال الأخفش: هو بدل من الرزق، معناه: أنهم لا يملكون من أمر الرزق شيئا قليلا ولا كثيرا.
وقال الفراء: نصب {شيئا} بوقوع الرزق عليه، أي: لا يرزق شيئا، {وَلا يَسْتَطِيعُونَ} ولا يقدرون على شيء، يذكر عجز الأصنام عن إيصال نفع أو دفع ضر. {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ} يعني الأشباه. فتشبهونه بخلقه، وتجعلون له شريكا، فإنه واحد لا مثل له، {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} خطأ ما تضربون من الأمثال.

.تفسير الآيات (75- 76):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)}
ثم ضرب مثلا للكافرين والمؤمنين فقال جل ذكره: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} هذا مثل الكافر، رزقه الله مالا فلم يقدم فيه خيرا، {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} هذا مثل المؤمن، أعطاه الله مالا فعمل فيه بطاعة الله، وأنفقه في رضاء الله، سرا وجهرا، فأثابه الله عليه الجنة. {هَلْ يَسْتَوُونَ} ولم يقل يستويان لمكان {من} وهو اسم يصلح للواحد والاثنين والجمع، وكذلك قوله: {لا يستطيعون} بالجمع لأجل ما.
معناه: هل يستوي هذا الفقير البخيل والغني السخي؟ كذلك لا يستوي الكافر العاصي والمؤمن المطيع. وروى ابن جريج عن عطاء في قوله تعالى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا} أي: أبو جهل بن هشام {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ثم قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} يقول ليس الأمر كما تقولون، ما للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتحمد عليه، إنما الحمد الكامل لله عز وجل، لأنه المنعم والخالق والرازق، ولكن أكثر الكفار لا يعلمون. ثم ضرب مثلا للأصنام فقال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} كل: ثقل ووبال {على مولاه} ابن عمه، وأهل ولايته، {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} يرسله، {لا يَأْتِ بِخَيْرٍ} لأنه لا يفهم ما يقال له، ولا يفهم عنه، هذا مثل الأصنام، لا تسمع، ولا تنطق، ولا تعقل، {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} عابده، يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويخدمه.
{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} يعني: الله تعالى قادر، متكلم، يأمر بالتوحيد، {وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قال الكلبي: يعني يدلكم على صراط مستقيم.
وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم.
وقيل: كلا المثلين للمؤمن والكافر، يرويه عطية عن ابن عباس.
وقال عطاء: الأبكم: أبي بن خلف، ومن يأمر بالعدل: حمزة، وعثمان بن عفان، وعثمان بن مظعون.
وقال مقاتل: نزلت في هاشم بن عمرو بن الحارث بن ربيعة القرشي، وكان قليل الخير يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: نزلت في عثمان بن عفان ومولاه، كان عثمان ينفق عليه، وكان مولاه يكره الإسلام.

.تفسير الآيات (77- 78):

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)}
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ} في قرب كونها، {إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} إذا قال له: {كن} فيكون، {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} بل هو أقرب، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} نزلت في الكفار الذين يستعجلون القيامة استهزاء. قوله عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} قرأ الكسائي {بطون إمهاتكم} بكسر الهمزة، وقرأ حمزة بكسر الميم والهمزة، الباقون بضم الهمزة وفتح الميم، {لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} تم الكلام، ثم ابتدأ فقال جل وعلا {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ} لأن الله تعالى جعل هذه الأشياء لهم قبل الخروج من بطون الأمهات، وإنما أعطاهم العلم بعد الخروج، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نعمة الله.

.تفسير الآيات (79- 81):

{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)}
{أَلَمْ يَرَوْا} قرأ ابن عامر، وحمزة، ويعقوب: بالتاء، والباقون بالياء لقوله: {ويعبدون}. {إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ} مذللات، {فِي جَوِّ السَّمَاءِ} وهو الهواء بين السماء والأرض. عن كعب الأحبار أن الطير ترتفع اثني عشر ميلا ولا يرتفع فوق هذا، وفوق الجو السكاك، وفوق السكاك السماء {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الهواء {إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ} التي هي من الحجر والمدر {سَكَنًا} أي: مسكنا تسكنونه، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا} يعني الخيام، والقباب، والأخبية، والفساطيط من الأنطاع والأدم {تَسْتَخِفُّونَهَا} أي: يخف عليكم حملها، {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} رحلتكم في سفركم، قرأ ابن عامر، وأهل الكوفة، ساكنة العين، والآخرون بفتحها، وهو أجزل اللغتين، {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} في بلدكم لا تثقل عليكم في الحالين.
{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} يعني: أصواف الضأن، وأوبار الإبل، وأشعار المعز، والكنايات راجعة إلى الأنعام، {أَثَاثًا} قال ابن عباس: مالا. قال مجاهد: متاعا.
قال القتيبي: الأثاث: المال أجمع، من الإبل والغنم والعبيد، والمتاع.
وقال غيره: هو متاع البيت من الفرش والأكسية.
{وَمَتَاعًا} بلاغا ينتفعون بها، {إِلَى حِينٍ} يعني الموت. وقيل: إلى حين تبلى. {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا} تستظلون بها من شدة الحر، وهي ظلال الأبنية والأشجار، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} يعني: الأسراب، والغيران، واحدها كن {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} قمصا من الكتان والقز، والقطن، والصوف، {تَقِيكُمُ} تمنعكم، {الْحَرَّ} قال أهل المعاني: أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما لدلالة الكلام عليه. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} يعني: الدروع، والبأس: الحرب، يعني: تقيكم في بأسكم السلاح أن يصيبكم.
{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} تخلصون له الطاعة.
قال عطاء الخراساني: إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم، فقال: وجعل لكم من الجبال أكنانا، وما جعل لهم من السهول أكثر وأعظم، ولكنهم كانوا أصحاب جبال كما قال: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها} لأنهم كانوا أصحاب وبر، وشعر، وكما قال: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} [النور- 43] وما أنزل من الثلج أكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفون الثلج. وقال: {تقيكم الحر} وما تقي من البرد أكثر، ولكنهم كانوا أصحاب حر.